بحث هذه المدونة الإلكترونية

المتابعون

أكبر موقع تعاعارف في العالم من سنة (2009)





                      
رابط الصفحة(https://www.youtube.com/channel/UCNMIKamOdYgFfXu2nw1Fdtg)


لقد سألتِ عظيمًا، وإنَّه ليسيرٌ على مَن يسَّره الله - تعالى - عليه، حقًّا إنَّه لسؤالٌ عظيم، ومطلَب كريم، تطمح إليه كلُّ نَفْس مؤمنة، وهي أشدُّ احتياجًا إليه من مقوِّمات حياتها - الطعام والشراب والهواء - فمعرفةُ الله حياة الرُّوح ونعيمها، ولذَّتُها وسرورها، "والعبدُ كمالُه في أن يعرِفَ الله فيحبَّه، ثم في الآخرة يراه ويلْتَذُّ بالنظر إليه"؛ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى.

وأُحبُّ أن أذكُرَ لكِ بعضَ الأمور التي تُعينكِ على ما طلبتِ، مختصرًا ذلك اختصارًا شديدًا من كلام أْهل العِلم العارفين المحبِّين، ثم أُحيلكِ على بعض الكتب والدروس - كما طلبتِ.

واللهَ أسأل أن يرزقني وإياكِ وجميعَ المسلمين معرفتَه وحبَّه، والاستحياءَ منه حقَّ الحياء.

 فعليكِ بمدوامةِ معايشة الكتاب والسُّنة؛ فإنَّ هذه المعايشةَ سببٌ في معرفة الله حقَّ المعرفة، وإذا عَرَف المسلِمُ ربَّه حقَّ المعرفة، أحبَّه واستأنس به، وخافَه ولجأ إليه، بحيث لا تمرُّ عليه لحظة إلاَّ وهو فيها مؤدٍّ ما عليه، مستعدٌّ للقاء الله - عزَّ وجل.

 وأكثري من التأمُّل والتفكُّر المستمرِّ في الكون، وفي نفسك التي بين جنبيك، واجْعلي هذا التأمُّلَ طريقًا لمعرفة الله ومحبته؛ فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 20 - 21]، ويقول - جلَّ ذِكْرُه -: ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴾ [الروم: 8].

ويقول - سبحانه -: ﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].

 الاجتهادَ الاجتهادَ في الدعاء أن يَرزُقَكِ الله حبَّه، وحبَّ كلِّ شيء يقرِّب إلى حبِّه، وسليهِ التوفيقَ والثبات، وابرئي من الحول والقوَّة؛ كما قال الله - تعالى - عن خطيب الأنبياء شعيب - عليه السلام -: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ﴾ [هود: 88]، و"قدْ أَجْمعَ العارفون على أنَّ كلَّ خيرٍ أصْلُه بتوفيقِ الله للعبد، وكلَّ شرٍّ أصلُه خِذلانُه لعبده، وأجمعوا أنَّ التوفيقَ ألاَّ يكِلَك الله إلى نفسك، وأنَّ الخذلانَ هو أن يُخلِّي بينَك وبين نفسِك، فإذا كان كلُّ خيرٍ أصلُه التوفيق، وهو بِيَد الله لا بِيَد العبدِ، فمِفتاحُه الدعاءُ والافتقارُ، وصِدْقُ اللَّجَأ، والرغبة والرهبة إليه، فمتى أُعطِيَ العبدُ هذا المِفتاحَ، فقَدْ أراد أن يفتح له، ومتى أضلَّه عن المِفتاح بقي بابُ الخير مُرْتَجًّا دونه... وما أُتِي مَن أُتِي إلاَّ مِن قِبَل إضاعة الشُّكر، وإهمالِ الافتقار والدعاء، ولا ظَفِرَ مَن ظَفِرَ - بمشيئة الله وعونه - إلاَّ بقيامه بالشُّكر، وصِدقِ الافتقار والدعاء"؛ "الفوائد"؛ لابن القيم (1/97)، باختصار.

 واعْلمي أنَّ محبَّة الله لا تتمُّ إلاَّ باتباع رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].

 تَعرَّفي على عيوب نفسِك ونقْصِها، واستحضري جلالَ ربِّكِ وكمالَه، فإنَّه بحسب معرفتك بعيوب نفسِك، ومعرفتِك بجلال الله - تعالى - تكون قوَّةُ حبِّك وخوفك، فأخوفُ الناس لربه أعرفهم بكمال ربِّه، ونقص نفسِه، "فالعارف: يسير إلى الله - عزَّ وجلَّ - بين مشاهدة الِمنَّة لله - سبحانه - ومطالعة عَيْب النفس؛ ولذلك قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أنا أخوفُكم لله))؛ أخرجه البخاري من حديث أنس، وللشيخَين من حديث عائشة: ((واللهِ إني لأعلمُهم بالله، وأشدُّهم له خشية))، فإذا سِرْتِ بين مشاهدة مِنَّة الربّ، ومطالعة عيْب النفس، وكَمُلَتِ المعرفة، أورثتْ جلالَ الخوف، واحتراقَ القلْب، ثم يفيض أثر الحُرْقة من القلب على البدن، وعلى الجوارح وعلى الصِّفات.

 ولتتقرَّبي إلى الله - تعالى - بتوحيده وإخلاصِ كلِّ الأعمال له، وبالنوافل بعدَ الفرائض؛ كما في الحديث القُدسي: ((وما تَقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُه عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبَّه))؛ رواه البخاري.

 وداومِي ذِكْرَه على كلِّ حال باللِّسان والقلْب، والعمل والحال، فنصيبُكِ من المحبَّة على قدْر هذا.

 كُوني من أصحاب هذه الآية الكريمة: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 165].

 ولتؤثري محابَّ الله - تعالى - على محابِّك، خصوصًا عندَ غلبات الهوى.

 وطالعي بقَلْبك أسماءَه وصفاتِه، وشاهديها، وتقلَّبي في رِياض هذه المعرفة وميادينها.

 ولينكسرْ قلبُكِ بين يدي ربك.

 ولا يَفوتنَّكِ وقتُ النزول الإلهيِّ آخرَ الليل، فاخْتَلِي بربك مصليَّةً له، وتاليةً كتابه، ثم اختمي ذلك بالاستغفارِ والتوبة.

 جالسِي المحبِّين الصادقين، والْتقطي مِن أطايبِ ثمرات كلامهم، كما يُنتقَى أطايب الثمر.

 مَن صَمَت نجَا؛ فلا تتكلَّمي إلاَّ إذا ترجَّحتْ مصلحةُ الكلام، وعلمْتِ أنَّ فيه مزيدًا لحالك، ومنفعةً لغيرك.

 ابتعدي عن كلِّ سبب يحول بين القلْب وبين الله - عزَّ وجلَّ - خصوصًا مشاهدة وسائل الإعلام الهدَّامة.

 كوني راضيةً عن الله، وقضائه وقدَرِه دائمًا وأبدًا، فمَن رُزِق معرفةَ الله - تعالى - استراح؛ لأنَّه يستغني بالرِّضا بالقضاء، فمهما قُدِّر له رضي.

 حِجابُكِ يحجُبكِ عن النار، ويقطع طمعَ الذين في قلوبهم مَرَض، فلْتحتجبي الحجابَ الكامل، وستجدين لذَّةً ومحبَّة عجيبة، "وما راءٍ كمَن سمعَا".

 وبالجملة فكلَّما تقرَّبتِ إلى الله - تعالى - بما شَرَعه من الطاعات، وأحسنتِ إلى عباده، كلَّما زادتْ محبتُك وإيمانك، وخشيتُك ويقينُك.

وإليكِ بعضَ الكتب النافعة المفيدة في هذا:
فأولاً: كتب الزهد المسندَة مثل: "الزهد"؛ للإمام أحمد، و"الزهد"؛ لهنَّاد، و"الزهد"؛ لابن أبي عاصم، فكلامُ السلف قليلٌ، ولكنَّه كثيرُ البركة.

وثانيًا: كتب تراجم الأعلام من الأولياء الصالحين، والسادة المحبِّين، كـ"حلية الأولياء"؛ لأبي نُعَيم، و"سِيَر أعلام النبلاء"؛ للذهبي، ففيها ترجمة عمليَّة للمحبَّة، والخوف من الله تعالى، وهذا مِن أحسنِ ما يَنفع العبد.

 كذلك كتاب "قاعدة في المحبَّة"؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية.

 وكُتب شمس الدِّين ابن القيِّم؛ طبيبِ القلوب، وخصوصًا: كتاب "روضة المحبِّين"، و"الوابل الصيِّب"، و"الداء والدواء"، و"الفوائد"، و"إغاثة اللهفان"، و"طريق الهجرتين"، و"مدارج السالكين".

 وكُتب صِنوه ابن رجبٍ الحنبلي، خصوصًا: "رسالة في شرح حديث: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وجَدَ حلاوةَ الإيمان...))"، و"التخويف من النار".

 وكتاب "كلمات في المحبَّة والخوف والرجاء"؛ تأليف الشيخ: محمد بن إبراهيم الحمد.

 و"ثلاث رسائل في المحبَّة"؛ لعبدالله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله.

 ومن المحاضرات النافعة: محاضرات الشيخ الدكتور محمد المختار الشنقيطي - حفظه الله - خصوصًا: محاضرة "واتقوا يومًا تُرجعون فيه إلى الله"، ومحاضرة "أن تقول نفس يا حسرتَا على ما فرطت في جنب الله"، ومحاضرة "الْمِقة (المحبَّة) مِن الله".

 وإذا بحثتِ على "الشبكة العنكبوتية" ستجدين الكثيرَ النافع - بإذن الله تعالى.

ونسأل الله - تعالى - أن يرزقَكِ محبَّتَه وخشيتَه، والحياءَ منه حقَّ الحياء.





إن الوعي البشري في تطوّر مستمر في إدراكه لأمور الخليقة فيما حوله، وفي بحثه عن معرفة هذا الوجود المتداعي والمترامي، استطاع الإنسان أن يضع مفاهيم، عللها بمنطق وعيه، تكشف عن مصدر الوجود ومجاله وغايته، وقد تفاوت تفسير هذه المفاهيم في المكان والزمان، إلا أنها جميعها تعطي الوجود صفات متقاربة ومتشابهة.

يتضمن هذا الفصل ثلاثة أجزاء وتحتوي على العناوين التالية:
    • المفهوم الديني لله
    • المفهوم العلمي لله





    المفهوم الديني لله

    عندما نتكلم عن الله، من الأجدى أن نبدأ بالمفاهيم والتفسيرات الدينية. في المفهوم الديني، إن الله هو مصدر الكون، منه وجد كل شيء، وفيه يحيا كل شيء، وفيه ينتهي كل شيء، "الله يبدأ الخلق ثم يعيده"q ولا ينحصر هذا المفهوم في الديانات الشرق أوسطية؛ اليهودية والمسيحية والإسلامية، فحسب، لا بل يوجد أيضاً في الديانات الشرقية الآسيوية القديمة، تتكلم هذه الديانات كافةً عن ما هو وراء كل هذا الوجود، وفي نفس الوقت متغلغل في الوجود كله. وهكذا يكون الله مصدر الخليقة ومجالها وغايتها، وأفضل وصف لله هو أن لا نحدده بأي صفة، فكل الصفات تكون له، ويكون حقل لكل الإمكانيات.
    المفهوم العلمي لله
    وقد استطاع العلم الحديث أن يكتشف الحالة الإلهية، ففي نظريات فيزياء الكم، تم اكتشاف نظرية الحقل الموحد التي تقول بأن الكون كله قد انبثق من حقل واحد موحد، وهذا الحقل هو حقل غير ظاهر لا محدود، لكنه حقل لكل الإمكانيات، منبع الكل. إن الحقل الموحد هو منبع حقول الطاقة كلها، فمنذ ثلاثين سنة كانت علوم الفيزياء تقر بأن الكون كله يعمل ضمن أربعة حقول للطاقة، وهي: حقل الكهرباء المغناطيسية وحقل التفاعل الضعيف وحقل التفاعل القوي وحقل الجاذبية، وكل شيء ظاهر في هذه الخليقة لا بد أن يكون نتيجة تفاعل أحد هذه الحقول؛ فتفاعل حقل الكهرباء المغناطيسية هو المسؤول عن تركيبات المادة الظاهرة، وحقل التفاعل الضعيف هو المسؤول عن النشاط الإشعاعي في الخليقة، وحقل التفاعل القوي هو المسؤول عن تماسك الذرة، وحقل الجاذبية كما نعلم هو المسؤول عن قوة التجاذب. إلا أن العلم قد استطاع توحيد هذه الحقول، ففي العام 1967 تم الاكتشاف بأن حقل الكهرباء المغناطيسية وحقل التفاعل الضعيف ينبعان من حقل واحد أطلقوا عليه اسم حقل الكهرباء الضعيف، ومن ثم تم الاكتشاف بأن حقل الكهرباء الضعيف وحقل التفاعل القوي ينبعان من حقل واحد أطلقوا عليه اسم حقل التوحيد الكبير، وفي العام 1974 تم الاكتشاف بأن حقل التوحيد الكبير وحقل الجاذبية ينبعان من حقل واحد أطلقوا عليه اسم الحقل الموحد.
    وقد تابع العلماء في التعمق في اكتشافاتهم للحقل الموحد، وعلى رأسهم الدكتور جون هكلن، واستطاعوا بواسطة معادلات الرياضيات العلمية أن يستخلصوا صفات لهذا الحقل الموحد فاكتشفوا أن هذا الحقل الموحد هو متطابق مع حقل الوعي، الموجود في كل شيء والموجد في داخل الإنسان على مستوى وعيه الصافي المجرّد. واكتشفوا أيضاً أن هذا الحقل الموحد هو ذاتي المرجعية وبالتالي هو بيت لكل قوانين الطبيعة. وبذلك يكون العلم في طريقه إلى كشف الحقيقة الأزلية، حقيقة الله.

    • الله والإنسان
    • الله في الحضارات الآسيوية القديمة
    • تعريف الله





    الله والإنسان
    وقد تعايش الإنسان مع المفهوم الإلهي في كل العصور، ومن أجل أن يوطد العلاقة معه، كان يربط نفسه به بواسطة صفات خارقة يعطيها لهذا الكائن الأبدي السرمدي، تفوق المقدرة البشرية. في فترات زمنية كانت هذه الصفات تظهر الله قوة وجبروت، وفي فترات أخرى كانت تظهره محبةً وتسامح، وفي فترات أخرى كانت تظهره بالرحمن الرحيم، وفي فترات أيضاً تظهره بالعقل الكوني، أما في عصرنا العلمي الآن، نظهره طاقة غير محدودة للقانون الطبيعي.
    وقد تغنى العديد من الأنبياء والقديسين والحكماء والفلاسفة وغيرهم، بكلمة الله، وكثيراً منهم من أدركه كوهجٍ من النور والفرح، ومنهم من أدركه ينبع في كل شيء، ومنهم من أدرك كل شيء فيه. ومنهم من قال "أنا هو"، وليس ذلك فحسب بل تغنوا بروعة الطبيعة بمجده كما قال القديس فرنسيس:
    "ليكن المجد لك يا إلهي، لهبة خليقتك، وخاصة للشمس التي تعطينا النهار ومنها تعطينا النور. إنها جميلة ومشعة وبمجدٍ عظيم، وتبقى مشاهدة لك، أيها العلي".
    ومثل هذا البيت قيل للهواء والريح والنار والماء والتراب. فقد مجد الإنسان الله في كل شيء. وفي حالة العشق الإلهي نقول: "إلهي حبي، أراك تنبع في الدنيا أشكالاً وألواناً تزينها"
    الله في الحضارات الآسيوية القديمة
    وأيضاً في الحضارات الشرقية القديمة يكرمون كثيراً هذه القوى للطبيعة، ويعطوها صفات إلهية، ويعطونها أسماء، ويرسمونها بأشكال حية، ويصنفوها في هيكلية هرمية، ويكرمونها حسب حاجاتهم، فالشمس للسلطة، والقمر للخصب، وإندرا للمطر، وفايو للهواء، ومهالكشمي للثروة، وغيرها من الممارسات والتقاليد، معتبرين أن مجموع قوى هذه الآلهة هي قوة الله الواحد الأحد الذي منه خرج كل شيء، والذي يضم كل شيء، والذي يفني كل شيء.
    هذا التغني بالله الواهب لكل شيء في الخليقة يظهر نمط العلاقة بين الإنسان والمفهوم الإلهي. 
    تعريف الله
    حاول الإنسان أن يعرّف ما هو الله فوصفه قائلاً: "إنه الكون كله، كل ما كان وما يكون وما سوف يكون، في الماضي والحاضر والمستقبل، الجزء منه هو كل المخلوقات على الأرض والأجزاء الباقية هي السموات الخالدة. "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم".  
    قد تفسّر بعض المفاهيم بأن الله هو منفصل عن خليقته، ولكن المفهوم القائل بأن الله خالق لكل شيء وموجود في كل شيء هو الأقرب للحقيقة وللمنطق، "الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل" وهذا يتطابق أيضاً مع اكتشافات العلم الحديث التي تظهر أن الحقل الموحد هو أساس تركيبة كل ذرة في الخليقة وفي نفس الوقت هو موجود في كل ذرة، وتشرح الفيزياء أيضاً أن الحقل الموحد هو حقل لا محدود للطاقة والمادة والذكاء، فالطاقة تحفظ المادة والذكاء يعطيها الاتجاه التطورّي.
    ويروى في كتب الحكمة الهندية القديمة أنه عندما سُئل أحد الحكماء القديسين لتعريف ما هو الله، بقي صامتاً دون جواب، كي يعبّر أن الله هو حقل من الصمت المطلق، لا صفة له فيه كل الإمكانيات، وعندما سُئل بإلحاح مرة أخرى كي يعطي إجابة، قال: "ليس هذا ولا ذاك" مكرراً المحاولة في أن يقول أن الله غير محدد بأي صفة. وعندما طلب منه أن يعطي إجابة واضحة، قال: "أنت هو". فالله موجود في كل شيء وبالتالي هو موجود فينا، في كل ذرة من ذرات جسدنا وكياننا.
    وهكذا نفهم الله على أنه داخل الكل وخارج الكل، "أنه الله الكل في الكل" الإنجيل. كان الله في البدء تجاوزي وغير ظاهر، وفي تمدده يخلق المادة من ذاته، وليس من العدم، ويبقى جوهراً لها حتى نهاية التطور، ومن ثم يعيدها إلى حالته غير الظاهرة.


    • لماذا خلق الله الوجود؟
    • الله والمحبة
    • الوصول إلى الله                       
    • لماذا خلق الله الوجود؟
      وهنا نسأل، لماذا يتمدّد الله غير الظاهر ويخلق المادة من ذاته ومن ثم يفنيها ويعود إلى حالته غير الظاهرة؟
      جواب: من أجل فرح الخليقة.
      سؤال: إذا كان الفرح هو الهدف إذاً لماذا يوجد الشر؟
      جواب: من أجل أن ينشأ منه الخير المفرح.
      سؤال: ولماذا توجد الظلمة؟
      جواب: كي يتثنى للنور أن يشرق أكثر.
      سؤال: ولماذا هناك معاناة؟
      جواب: من أجل أن تتجلى الروح ومن أجل نيل فرح التضحية.
      سؤال: ولماذا كل هذه المسرحية للخلق والتطوّر؟
      جواب: من أجل غبطة الفرح. 
      الله والمحبة
      الله هو تمدّد السعادة والفرح، والخليقة أتت بمحبة الله، والمحبة هي من صفات الله الأزلية، وعندما ندرك أن الله موجود في كل شيء، ندرك لماذا علينا أن نتصرف بالحسنة مع الكل، وندرك ما معنى "أحب قريبك كما نفسك" الإنجيل، عندما نحب قريبنا تكون هذه المحبة لله الموجود في القريب ولله ذاته الموجود فينا، وبذلك عندما نؤذي قريبنا نكون قد سببنا الأذى لله الموجود في القريب وفي نفسنا أيضاً.
      وفي علوم الفيزياء، حقل الجاذبية هو أول حقل نبع من الحقل الموحد، وحقل الجاذبية هو الذي يجمع، والمحبة تجمع أما البغض فيفرّق، إذاً حقل الجاذبية هو حقل المحبة الإلهية. وبظهور حقل الجاذبية وجد الزمان والمكان، إنه خشبة مسرح الخليقة الظاهرة.
      المحبة الحقيقية هي ليست سوى محبة الله الموجود فينا والموجود في كل ما حولنا. لذلك نقول أن الله محبة، والمحبة هي الفرح، والكون قد وجد بالمحبة، وبالمحبة يعود كل شيء لله. والمحبة هي جمال الفرح، وجمال الحقيقة. وحقيقة المحبة هي حقيقة الكون، إنها نور الروح التي تزيل مجاهل الظلمة. وعلى كل فرد أن ينال هذه المحبة في حياته، لذلك قال السيد المسيح: "إن ملكوت الرب في متناول الجميع". 
      الوصول إلى الله
      كيف ننال ملكوت الرب؟ كيف ننال هذه المحبة الإلهية؟ وكيف نصل إلى الله؟
      إن من سبقنا في طريق النور والمحبة قد أعطوا لنا المساعدة في رحلتنا، لقد تكلموا عن الطريق. في الحكمة الهندية قالوا عنها، طريق ضيق كحدّ السيف، وبكلام السيد المسيح قال: "ضيقٌ هو ذلك الطريق الذي يقود إلى الحياة"، إلا أنهم جميعاً يقولون أن هذا الطريق الضيق يقود إلى الحرية غير المحدودة.
      الله في داخلنا، والطريق إلى داخلنا، ونقطة الوصول في داخلنا. لذلك علينا أن نوجه عقلنا إلى داخل ذاتنا، ونتثبت بحقل الذات اللامحدود، بالوعي الصافي الذي هو حالة صفاء العقل. أو كما وصف ذلك علم الفيزياء، الحقل الموحد، بيت كل قوانين الطبيعة الموجود في الوعي البشري. وقد قيل في الإنجيل: "لا تبحثوا عن ملكوت الرب هاهنا أو هناك، إن ملكوت الرب فيكم". وفي القرآن الكريم: "وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون". عندما نعرف أن قوانين الطبيعة، وملكوت الرب وآيات الله هي في أنفسنا علينا أن نسرع في تملكها، لذلك قيل "اطلبوا أولاً ملكوت الرب وكل الباقي تزادوا به" الإنجيل. كما ورد في الحديث النبوي الشريف: "أعقل، ثم توكل" وتفسيراً لهذه الجملة؛ إن كلمة أعقل تعني ربط شيء متحرك بشيء ثابت، أي تثبيت العقل بالوعي الصافي اللامحدود أي بملكوت الله، وكلمة توكل تعني القيام بالعمل بالاتكال على الله. وقد ورد أيضاً في البهاغافاد غيتا: "تثبت في اليوغا وقم بالعمل" وكلمة يوغا تعني التوحيد أي توحيد العقل السطحي مع الوعي الصافي. لذلك علينا أولاً أن ننال هذه الحالة من العقل المتطور، أي أن ننال ملكوت الرب، أي أن نثبت في اليوغا. وإذا ما ثبت وعينا في هذا الحقل نكون قد امتلكنا عقلاً فائقاً متطوراً، ما سماه ابن سينا بالعقل القدسي، ويقول عنه أنه عقل رفيع جداً ليس مما يشترك فيها الناس جميعاً، وهو ضرب من النبوة وهو أعلى مراتب القوى الإنسانية.
      نحن ندرك كل شيء من خلال عقلنا، وعندما نتحلى بحالة من العقل الأسمى، ومن الوعي الصافي النقي الذي لا يتأثر بأي شيء، نكون قد حققنا الهدف الأسمى للإنسان وهو في أن نملك عقلاً نستطيع من خلاله أن ندرك الله دوماً بكامل صفاته، وأن ندرك جميع قوانين الطبيعة التي تسيّر الكون بأسره، فنعيش في الحضور الإلهي، في الجنة على الأرض، وهكذا يتمجّد الله فينا وفي كل شيء.

  1. أصل الكلمة


    لفظ اسم (الله) جل جلاله أصلها عربي، استعملها العرب قبل الإسلام والله جل جلاله الإله الأعلى لا شريك له الذي آمن به العرب في فترة الجاهلية قبل الإسلام لكن بعضهم عبد معه آلهة أخرى وآخرون أشركوا الأصنام في عبادته. 


    وجود الله وصفاته


    يمكن الاتفاق بين الناس كافة (المؤمنين منهم والملحدين) على أن يكون المنطق العلمي السليم هي السبيل الوحيد للوصول إلى حقيقة وجود الله وصفاته. فالكل يتفق على أن لكل فعل فاعل, ولكل شئ سبب. ولا يستثنى من ذلك شئ, فلا شئ يأتي من فراغ أو من عدم, ولا شئ يحصل بلا سبب أو مسبب. والأمثلة على ذلك لا تحصى, ولا يغفل عنها أحد. والكون كله بكل ما فيه من حي أو جماد, ساكن ومتحرك, وجد بعد العدم. فالمنطق والعلم يؤكدان إذا أن هناك من أوجد الكون. وسواء كان أسمه الله أو الخالق أو المبدع أو المبدئ, فليس لذلك تأثير على الحقيقة هذه. فالكون كله, بما فيه, يدل دلالة كافية على وجود الخالق.


    والتعرف على صفات هذا الخالق يتم عن طريق دراسة ومتابعة ما أنجزه من أعمال ومصنوعات (مخلوقات). فالكتاب, على سبيل المثال, يدل على علم وخبرة وثقافة كاتبه وأسلوبه وتفكيره وقدرته على الإنجاز والتحليل. وكذلك كافة المصنوعات تعطي صورة وفكرة واسعة عن صفات الصانع. وإذا استعمل الناس هذا المنطق العلمي مع الكون والمخلوقات التي فيه لتمكنوا من الوصول إلى صفات الخالق (الصانع). فجمال البحار والطبيعة, ودقة الخلايا وحكمة ما فيها من تفاصيل, وتوازن الكون ونظام حركته, وكل ما توصل له الإنسان من علوم, كلها تدل على عظمة وعلم وحكمة الخالق.


    سواء اتفق الناس أم لم يتفقوا في ايجاد الحكمة من الوجود أم لم يكتشفوها, وسواء اتفقوا على الحكمة من وجود الألم والصعوبات في الحياة أم لم يتفقوا, فإن هذا لا يغير شئ من النتيجة التي وصل لها المنطق العلمي الذي يؤكد وجود الخالق العظيم والعليم والحكيم, الذي يتفق المؤمنون على تسميته الله جل جلاله




  2. رد: تعرف على الله عز وجل

    هل الله يستطيع أن يفعل أي شيء؟




    على سبيل المثال : "هل يستطيع أن يخلق صخرة كبيرة بحيث لا شيء يمكنه تحريكها؟" إذا استطاع أن يخلق صخرة كبيرة لا يستطيع شيء تحريكها، فهل يعني ذلك أن الله هو أيضا لا يمكنه تحريكها؟ أم أنه من المستحيل عليه أن يخلق شيئا كبيرا لدرجة أنه لا يستطيع تحريكه؟





    يقول لنا الله عز و جل بأنه يفعل ما يشاء و يقدر. يجب الأخذ بعين الاعتبار بأننا في الإسلام ندرك بأن الله لا يريد أن يفعل شيئا مخالفا لصفات ألوهيته. بمعنى أنه لن يموت أبدا لأن هذا سيعني أنه انتفت عنه صفة الحي الذي لا يموت (و التي هي من صفاته المذكورة في القرآن الكريم).



    و لذلك، يمكن أن يخلق صخرة (أو أي شيء آخر) كبيرة جدا وثقيلة، لا شيء في الكون كله يمكنه تحريكها. أما هو فيستطيع ذلك، فهو ليس من الكون، ولا يشبه مخلوقاته. و لذلك فإن الله لا يخضع لقوانين الخلق، لأنه هو الخالق والمشرع. و كلما أراد شيئا، بكل بساطة يقول له كن فيكون.



    يقول الله عز و جل عن نفسه:


    (بديع السموات و الأرض و إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) سورة البقرة، الآية: 117.


    (قالت رب أنى يكون لي ولد و لم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) سورة آل عمران، الآية: 47.



    (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) سورة آل عمران، الآية: 59.


    (و هو الذي خلق السموات و الأرض بالحق و يوم يقول كن فيكون قوله الحق و له الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب و الشهادة و هو الحكيم الخبير) سورة الأنعام، الآية: 73.



    (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) سورة النحل، الآية: 40.



    (ما كان لله أن يتخذ ولدا سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) سورة مريم، الآية: 35.



    (إنما أمره إذا أراد شيئا أن بقول له كن فيكون) سورة يس، الآية: 82,



    (هو الذي يحيي و يميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون) سورة غافر، الآية: 68.



    فعملية الخلق، كما نرى من هذه الآيات، ليست على الإطلاق بالأمر الصعب بالنسبة لله سبحانه و تعالى، فهو يكتفي بإصدار الأوامر ليكون كل شيء وفقا لإرادته و مشيئته.

  3. هل يعلم الله كل ما سيحدث و كل ما سيقع في المستقبل؟


    هل يملك السيطرة المطلقة على نتائج كل شيء؟ و إذا كان الأمر كذلك، فكيف يكون هذا عادلا بالنسبة لنا؟ أين حرية الاختيار و الإرادة بالنسبة لنا إذن؟


    الله يعلم كل ما سيحدث.أول شيء خلقه كان القلم، وأمر القلم بالكتابة. فكتب القلم حتى كتب كل شيء سيحدث. ومن ثم بدأ الله عز و جل في خلق الكون. كل هذا كان معروفا له قبل أن يخلقه. لديه السيطرة المطلقة والكاملة في جميع الأوقات. لا يحدث أي إلا و له السيطرة الكاملة عليه في جميع الأوقات.
    (و يتوب الله على من يشاء و الله عليم حكيم) سورة التوبة، الآية: 15.
    (إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم) سورة يوسف، الآية: 100.
    والله وحده فقط يملك الإرادة الحرة ، وهو يريد ما يريد ، وسوف يحدث دائما ما يشاء و يريد. و نحن لدينا ما يسمى ب "حرية الاختيار". و الفرق هو أن ما يريده الله يحدث دائما، وما نختاره نحن يمكن أن يحدث أو لا. لن يحاسبنا الله على نتائج الأمور، و لكن سوف يحاسبنا على خياراتنا. وهذا يعني أن نيتنا ستكون دائما في جوهر كل شيء. مهما كانت نيتنا، فذاك هو ما سوف نحاسب عليه. و كل شخص سيحاسب وفقا لما أعطاه الله من مؤهلات، وكيف استعملها وماذا كان ينوي أن يفعل بها.
    و بخصوص يوم الحساب، يقول الله عز و جل أن كل ما نقوم به يسجل، و لا يفلت من هذا التسجيل حتى الأشياء الصغيرة، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا سوف يراه يوم الحساب، و من يعمل مثقال ذرة شرا سوف يراه كذلك.
    في هذا اليوم (يوم الحساب)، سوف يقسم الناس إلى مجموعات شتى، و سوف تعرض أعمالهم.
    و بذلك، من يعمل مثقال ذرة خيرا سوف يراه.
    (يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره) سورة الزلزلة، الآية: 6-8.
    و الذي سيقدم الأدلة ضدنا هو نحن أنفسنا، فآذاننا و لساننا و عيوننا ستشهد علينا أمام الله يوم القيامة، و لن يظلم أحد في هذا اليوم، و لن يتهم زورا أحد.
    كلن بالإمكان وضع الجميع في المكان المناسب لهم، و لكن الناس سيشتكون لماذا ألقي بهم في النار دون أن تمنح لهم الفرصة. و هذه الحياة ليست سوى ذلك، فرصة لنثبت لأنفسنا من نحن حقا، وماذا سنفعل حقا إذا كان لدينا الخيار الحر.
    الله يعلم كل ما سيحدث، لكن نحن لا. و لذلك، فإن الاختبار عادل.

  4. هناك طرق عدة يتعرف الإنسان من خلالها على كل ما يحيط به من أشياء وكائنات وظواهر طبيعية وغير طبيعية ، وحسب كل شيء تتحدد الطريقة التي يمكن أن تتعرف عليه بها .

    فأنت مثلا عندما تود أن تعرف شخصا ما، قد تتقرب منه ، وتتودد إليه ، وتوقره وتحترمه حتى أن أصحاب اللغات المختلفة يضعون ضميرا لغويا محددا للشخص غير المعروف لهم، أو المقدمون على التعرف عليه ، وتسمى " صيغة الاحترام أو التوقير " . وأحيان أخرى تقوم بتقديم نفسك إلى الآخر، أو يفعل ذلك صديق بالنيابة عنك عندما يقدمك إلى الغير بأنك فلان ، ونتعرف على الكثيرين أيضا من صفحات الجرائد وشاشات التليفزيون، ونتعرف على بعض آخر من قصص وحكايات ينسجها الآخرون عنهم قد تقترب من الحقيقة وقد تبتعد عنها في أحيان أخرى.

    طرق عدة ، لمعرفة أي شيء، وأي شخص ويظل أقربها أن تستمع إلى الآخر لتعرفه، ولعل هذه هي الطريقة التي أحب أن تنهجها عند الحديث عن كيفية معرفة الله !!



    فمن هو الله ؟


    هذا السؤال يجيب عنه الله نفسه عز وجل، فيقول : " اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " ( البقرة : 255 ) . وهو هنا يعرف عن نفسه فيقول أنه الذي لا إله هو ؛ أي يثبت التوحيد لنفسه ، والحي الذي لا يموت وكل المخلوقات تموت ، فقوله: " اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ " إخبار عنه بأنه هو وحده المتفرد بالإلوهية لجميع الخلائق . وقوله : " الْحَيُّ الْقَيُّومُ " أي: الحي في نفسه الذي لا يموت أبدًا القيم لغيره فجميع الموجودات مفتقرة إليه وهو غني عنها ولا قوام لها بدون أمره .

    وقوله: " لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ " أي: لا يعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه بل هو قائم على كل نفس بما **بت شهيد على كل شيء لا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه خافية ، ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم، فقوله: " لا تَأْخُذُهُ " أي: لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس ولهذا قال: " وَلا نَوْمٌ " لأنه أقوى من السِنة. وقوله: " لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ " إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه .

    وقوله: " مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ " يدل على عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذنه له في الشفاعة .

    وقوله: " يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ " دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها .

    وقوله: " وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ " أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه.

    وقوله: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ " أي سلطانه وعرشه يحيط بكل شيء ويسع كل شيء .

    وقوله: { وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } أي: لا يثقله ولا يُكْرثُهُ حفظ السموات والأرض ومن فيهما ومن بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما **بت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يع** عنه شيء ولا يغيب عنه شيء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وهو القاهر لكل شيء الحسيب على كل شيء الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه . وقوله: " وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " أي هو فوق كل شيء وأعظم من كل شيء .

    هذه هي بطاقة ال****ف الأولى التي أطرحها عليك عزيزي القارئ إذا أردت أن تعرف من هو الله ، لم أجتهد في أن أسوق إليك حجج وبراهين ، ولم أكتب شعرا أو مدحا ، ولم أقل من نفسي شيئا عنه ، ولكن عرف الله نفسه؛ فتعالى وتبارك العلي العظيم . إن هذه الآية الكريمة ، والتي تسمى بآية الكرسي لهي بحق أعظم آيات القرآن الكريم . تدبرها جيدا ، واستمع إلى الله وهو يتحدث عن نفسه ، وحاول أن تعرفه عن قرب، وإذا لم تستطع إقرأ مقالتنا التالية في نفس الموضوع .

في مقالتنا السابقة استمعنا إلى الله عز وجل يعرف عن نفسه بهذه الكلمات الرقراقة من آية الكرسي .... وكنا قد قلنا بأن الإنسان لكي يتعرف على شيء يمكنه أن يسلك أكثر من طريق!


والرحلة إلى التعرف على الله أيضا يمكن أن نسلكها بأكثر من طريق، والطريق الذي نسلكه هذه المرة ؛ رحلة استكشافية قام بها شخص استشعر أن هذا الوجود لابد أن يكون وراءه خالق وإله يستحق أن يعبد ، هذا الرجل هو إبراهيم الخليل ، نبي الله وأبو الأنبياء .



خرج إبراهيم عليه السلام يتدبر في خلق الله – وهو بعد لم يعرفه – ولكن عرف إبداعه وقدرته ؛ فبدأ في رحلته للبحث عن الله ، وتلك قصته كما يحكيها القرآن : " وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ(76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ(77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) " ( سورة الأنعام : 75 – 80 ) .




إذاً استشعر إبراهيم عليه السلام أن هناك قوة خلقت كل شيء ، وأبدعت السموات والأرض، واستشعر في نفسه أن هذه الآلهة التي عكف عليها قومه لا تغني ولا تسمن من جوع ، وأنها بعيدة كل البعد عن أن تخلق شيئا، بل أثبت لهم فيما بعد أنها حتى لا تستطيع أن تدافع عن نفسها .




وحمل إبراهيم عليه السلام على عاتقه مهمة البحث عن ربه، فبدأ أولا بالنظر إلى السماء فرأى نجما كبيرا فقال هذا ربي، ولكن مهما بقي النجم فلابد من زوال، إذ انقشع الظلام وذهب النجم مع ذهاب سواد الليل، فتعجب إبراهيم ، كيف يتخذ إلها يغيب ***اب الليل .... وواصل الخليل رحلته الاستكشافية حتى رأى القمر في السماء فظن أنه هو الإله الذي يبحث عنه ولكن لم يكن القمر أطول عمرا من النجم إذ ذهب هو أيضا مع بزوغ الفجر .




فلما رأى نبي الله إبراهيم الشمس ازدادت آماله بأن تكون هي الإله الذي يبحث عنه ؛ ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه حيث غربت الشمس في نهاية اليوم وغربت معها آمال إبراهيم في أن يجد ضالته التي يبحث عنها ، وأصابه اليأس والإحباط حتى من الله عليه بالإيمان وأرسل إليه وحيه ليبلغه بأن الله قد اختاره ليكون نذيرا لقومه .




هذا هو الله الذي بحث عنه إبراهيم ، لم يكن الشمس ، ولم يكن القمر ، ولم يكن الصنم الذي سجد له قوم إبراهيم إنما هو الله فاطر السموات والأرض .



هذه الرحلة لم تكن هي الوحيدة للبحث عن الله ، ولكن هناك رحلة أخرى قطعها شخص آخر بحثا عن الله ولكن بعد موت إبراهيم عليه السلام بآلاف السنين .... رحلة نتعرف عليها في مقالتنا القادمة .

  1. رد: تعرف على الله عز وجل

    لا تنزعج !! فالكثيرون لم يستطيعوا أن يعرفوه بسهولة، والطريق إلى الله ليس دائما مفروشا بالورود، يقول الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم " حفت الجنة بالمكاره " لذا فالوصول إلى معرفة الله ليس سهلا، وفي هذه المرة نرافق شاب يافع ولد مجوسيا، بل كان هو خازن النار أي القائم على إشعال النار التي يعبدها قومه وهو الذي يحافظ عليها دائما مشتعلة.



    ويوما ما يخرج هذا الشاب فيجد عبادا لله يعتنقون المسيحية ويعبدون الله في إحدى صوامعهم، فيتعجب لأمرهم ويداخله شعور بأن ما هم عليه هو الحق، وأن ما هو عليه الباطل ... فيؤمن بهم ويشتاق ان يعرف مصدر ديانتهم، فيعرف أن أهلها في الشام فيتحين الفرصة ويهجر موطنه وبيته وأهله ويهاجر إلى الشام ويبحث عن أهل هذا الدين ويعمل مختارا خادما لقسيسهم، فيجده مخادعا، حتى إذا مات تركه، وذهب إلى قسيس غيره فيجده على الحق ويستمع إلى نصائحه حتى إذا مات هذا القسيس أوكله إلى غيره .

    وكان هذا الأخير هو صاحب نقطة التحول في حياة هذا الشاب إذ نصحه باتباع نبي يظهر في هذا الزمان، ولكن في بلاد غير بلاده، وفي أرض غير أرضه، وفي قوم غير قومه، ويخرج الشاب مهاجرا باحثا عن هذا النبي ... عن هذا الدين ... عن هذا الإله!! فيبيع كل ما يملك ل****ة مسافرة مقابل توصيله للمكان الذي وصفه له القسيس فيأسرونه ويبيعونه عبدًا بعد أن كان سيدًا ... ولا يطول به المقام حتى يضعه القدر وجها لوجه أمام نبي الله محمد عليه الصلاة، فيعرفه، ويعرف صفاته التي نبأه بها القسيس ... ويعرف الله؛ فهو بحق الباحث عن الحقيقة كما لقبه شيخنا خالد محمد خالد في كتابه رجال حول الرسول ، إنه سليمان الفارسي الذي قطع البيداء من الشرق إلى الغرب باحثا عن إله .... باحثا عن رب ... فلما وجده كان نعم العبد .

    أخي القارئ ... إذا لم تكن عرفته بعد ؛ فسِر على خطى سليمان، حاول أن تبحث، وأن تبذل الجهد كي تعرف من هو الله ... والله إنها للذة عظيمة يشعرها الإنسان في نفسه حين يجد الله ، ويعرفه حق معرفته .



  2.         مع تحيات (seso) 



















  3. رد: تعرف على الله عز وجل

            مع تحيات (seso) 
    إن أكثر شيء يدل على وجود الله هو صنعته التي أحسن صنعها، ومخلوقاته التي برأها، ونعمه التي أسبغها على عباده المؤمن منهم والكافر !! 




    ولعل القرآن لكريم هو أبلغ شاهد على إعجاز الله وقدرته، فقد وضع الله فيه أخبار الآولين والآخرين، وكشف فيه غيبا لم يعرفه بنو الإنسان من قبل، ونطرح هنا بعض المعجزات التي وردت في القرآن الكريم وتدل بقوة على وجود الله، وعلمه السابق لكل أمر:

    * تحير العلماء كثيرا في محاولة معرفة حقيقة مكونات معدن الحديد، حيث أن الطاقة التي تكفى لترابط جزيئاته تفوق الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية أربعة أضعاف ... وكان هذا غريبا جدا على العلماء ؛ إلا أنه لم يكن غريبا على علماء الإسلام الذين عاينوا قول الله عز وجل : " وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ " ( سورة الحديد : 25 ) . فعرفوا من الفعل " أنزلنا " أن الحديد لم يكن من المكونات الأرضية وإنما نزل من السماء، وفي العصر الحديث يؤكد علماء المعادن أن مكونات الحديد بالفعل ليست من مكونات الأرض .


    * ودعونا نغوص قليلا إلى أعماق البحر، حيث اكتشف علماء جيولوجيا البحار أن الصفات الجيولوجية للبحار هي نفسها التي ذكرها الله سبحانه ةتعالى في قوله : 
    " أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ " ( سورة النور : 40 ) . وهذه حقيقة تم التوصل إليها بعد إقامة مئات من المحطات البحرية .. والتقاط الصور بالأقمار الصناعة .. وصاحب هذا الكلام هو البروفيسور شرايدر أحد أكبر علماء البحار بألمانيا الغربية ، والذي قال عندما سمع هذه الآيات: إن هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر .. ويأتي بروفيسور آخر وهو دورجاروا أستاذ علم جيولوجيا البحار ليوضح لنا علميا صحة هذه الآيات فيقول : " لقد كان الإنسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا .. ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلامًا شديدًا على عمق مائتي متر ..
    الآية الكريمة تقول ( بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ) كما .. أعطتنا اكتشافات أعماق البحار صورة لمعنى قوله تعالى : ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ) فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة ...منها الأحمر والأصفر والأزرق والأخضر والبرتقالي إلى آخرة .. فإذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدًا بعد الآخر .. واختفاء كل لون يعطي ظلمة .. فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر .. وآخر الألوان اختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر .. كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل إلى الظلمة الكاملة .. أما قوله تعالى : ( مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ ) فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي .. وأن هذا الفاصل ملئ بالأمواج فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق المظلم من البحر وهذه لا نراها وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها .. فكأنها موج من فوقه موج .. وهذه حقيقة علمية مؤكدة ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية : إن هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا* .
    هذا هو الله إذا كنت لم تعرفه بعد !!
    تدبر في آياته ومخلوقاته !
    انظر إلى السماوات من يمنعها من السقوط ؟
    انظر إلى ألأرض كيف جعلها مستوية تحت أقدامك ؟
    انظر إلى كل شهيق وزفير تقوم به ، من يتحكم في تلك المنظومة ؟
    إنه الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
                                                    
  4.                                                     مع تحيات (seso) 

ليست هناك تعليقات :

أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *